ترك الأب كل من حنان و ياسر في الغابة، ارتاحت الزوجة و حنان تهم بالعودة الى البيت معتمدة على أثر القمح الذي تركته بنفسها. حنان تبحث و تبحث ولا تجد الأثر و هاهي تتوه أكثر في الغابة،و في طريقهما اعترضهما أسد ضخم، و لأن احيانا لوحوش الغابة قلوبا أرحم من وحوش المدينة ،كان الأسد رؤوفا بهما، تقدمت منه حنان و قالت له : ايها الأسد ان اردت الأكل ، كلني انا ولكن اترك اخي ليعيش، و أن تعدني بان لا تاكله و تأخذه الى اقرب مملكة للبشر.
رفعها الأسد الى ظهره ورفع اخيها وقال: ارتاحي و طيبي نفسا فإني قد شبعا ، فقد اكلت بقرة سمينة و شيخا منذ أيام، و لأني رأيت ما فعل والدكما و لأني أعرف انكما ان عدتما الى البيت تقتلكما عمتكما، لكن وهو يتكلم كان الولدان يغطان في نوم عميق، تعبا غدر الدنيا وهمومها، هربا نحو النوم علهما يفيقان في يوم افضل وينتهي كابوسهما، مشى الأسد ليلا رغم انه معروف بالكسل لكنه كان يحث السير مسرعا على غير عادته ربما لأنه مثلهما يريدهما أن يستفيقا في يوم أفضل و في مكان أفضل.
وصل الأسد الى حدود قرية صغيرة بها بيت على حدودها متطرف على كل البيوت و تركهما هناك و بقي بعيدا يحرسهما حتى الصباح الأسد يحرسهما من بعيد عيناه لا تغادرهما يود ان يطمئن عليهما تلك قلوب الوحوش حين يبغي ربك ان ينزل فيها الرحمة.
يقترب منهما رجل لقد وجدهما نائمان امام الكوخ الصغير و لأن الشر في كل مكان، تتغير الأمكنة لكن الشر نفسه و النوايا السيئة نفسها،و لأن هناك من البشر من تسكنه قلوب الوحوش بل و أقسى منها، هذا الرجل بمجرد ان رآهما بدأت اطماعه و نزواته تراود، و لأن الحيوان يحس بالنفوس الشريرة التي تسكن البشر و كذا الأفكار السيئة التي تراودهم تأهب الأسد و استعد لكنه انتظر حتى يظهر الرجل ما يبطن.
رأىالرجل فتنة و جمال حنان، حنان آية من آيات الجمال خلق الله فيها من كل المحاسن و ابدع فيها، جميلة لدرجة أنك في الظلام تستطيع أن تستدل نورها مثل النجم بل و حتى انك لا تنظر الى النجوم في السماء،لأنك ستنشغل بنجمة الأرض ، غاية الجمال، راودته نفسه اراد أن يغتصبها لأن لا احد سيلومه او يعاتبه لأنها فتاة من الخلاء ولا احد لديها، وقبل ان يبادر اليها هجم عليه الأسد فارداه قتيلا، وعلى صراخ الرجل استفاق جميع من بالقرية ويهبون اليه، بمجرد ان رأوا الأسد رموه بالرصاص فاردوه قتيلا ظنوه قتل الرجل و سيقتل الولدان ايضا فيما الحقيقة انه كان يحميهما من وحوش متخفية وراء اوجه نظنها بريئة.
ياسر يسقط فوق الأسد وهو لايزال يصارع الموت و يبكي عليه بدموع بريئة انه يا سادتي حب مجنون لا عقلاني حب لا يعترف بالجنس او الكيان أنه حب بين البشر و الحيوان حب برئ، بقلوب بريئة حتى لو كان ظاهره وحش فقد كان باطنه كأنه باطن انسان طيب و حنون ذلك لأن الله اراد.
حنان و أخوها في حمى اهل القرية وهم يتناقشون امرهما أين يذهبون و ماذا يفعلون بهما؟ ينطق رجل فيقول: أنا رجل فقير ولن استطيع غير ايواء الفتاة، فمن له بالغلام ؟، لا احد يرد الكل لا يرد رغم ان ياسر غلام جميل و طيب جدا ليس بعد في قلبه شر و حقد انه مازال صفحة بيضاء، عرفت حنان انهم سيفرقون بينهما فاخذت نابا الأسد و علقت احدهما في رقبة ياسر و الآخر في رقبتها وقالت: يا رب حميتنا بنابا الأسد حيا ، فاحمنا بانيابه ميتا ولاتجعل بعدنا طويلا و كانت الدموع و الدماء تنزل من عينيها و هي تحتظن ياسرا اليها ظمة تعرفها الأخيرة.
ياخذ الرجل حنان معه ويهم بالسفر فقد كان راحلا لأن يشتغل في بلاط احد الملوك ويبقى ياسر في القرية و لكن لمدة قصيرة فقط لأن القرية عرفت بتجارة الرقيق، فما كان منهم الا أن باعوه الى أحد التجار، تاجر الرقيق، لكنه تاجر من نوع خاص، تاجر للملوك فقط ، يبحثون لهم على العبيد الجيدون، افترق الإخوة، افترق اليتيمان، يتيم يتجه الى شمال الأرض ويتيم الى جنوبها.